حاجز الخوف
حاجزُ الخوف
الخوفُ بينكَ وبين المراد حاجز ، ولمّا كانت النَّفسُ أمَّارةً بالسُّوء ، فهي تُريدُ كلَّ شيء من متاع الدُّنيا ، سواء أكان حلالا أم حرامًا .. والذي يمنعُ النفس هو الحاجز ، والحاجزُ له رادع ، فينمو بالتَّقوى فيحدثُ الامتناع ، وهو ما نُسمّيه بالخوف ..
فمثلا: بعضُ الناس يخافون من القانون، فترى أمَّة الغَرْب القوانينُ تمنعُهُم من كثير من المسائل المحرَّمة ، وكذلك في دُولنا ..
ولكنَّ الخوفَ الحقيقي من الله ، هو ليس خوفًا ، بل هو حُب لمرضاته، والحبُّ في المرضاة يبني الخوف من ارتكاب المعصية، وإذا سعى الإنسانُ للحُبِّ ، ودار في دائرة الخوف فبهذا الدَّوَران يبني الحدود ، وبناء الحدود يحمي الجلود ، فلا تَتبدَّل الجلود يومَ تتبدَّل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) (سورة النساء : 56).
ومن لم يدخُل في إطار تبديل الجلود ، فسيكون من أهل الجلوس على الآرائك : (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) (سورة يس:56).
وما بين بين صحائفُ بيضٌ وسُود ، فمن أراد البياضَ سَلَكَ طريقَ الاستقامة والضِّياء وابتعد عن الظُّلمات ، وعن خائنة الأعين ، وعن اللَّمْز ، والنَّبْز، والكَذِب، والنفاق، والرِّياء، والغرور، والكبرياء ، فإنَّ هذه الأمور لأهل الصَّحائف السود .
والحقيقةُ مرتبطةٌ بـ ( ساعة صَفَا ) فإذا جَعَلنا لأنفسنا ساعةً مقطوعةً من الأربعة والعشرين ساعة ، وبتراكم السَّاعات اليومية، وأعني في هذه السَّاعة ، التَّفكُّر، والمراقبة، والتأمُّل في الخَلْق والمخلوقات ، وفي البَدْء والمنتهى، والمراقبة أن تُحاسِبَ نَفْسَكَ على يومك، فإن رَاقَبْتَ وحَاسبتَ وتَفكَّرت فقد أنجزتَ يَومَكَ بجدارة ، فإن مرَّت الأيام والأشهر والسنين فسيحدثُ لديكَ (هو لفظٌ صعب) وسنعبر عنه بالتَّراكُم ، وهذا التَّراكُم سيبينُ لكَ الطَّريق ويتيسَّر ، فإن كان لكَ فُرصة، وطَالَ بِكَ الزَّمَن، وأكملتَ المسير، فتصل إلى الحقيقة قبل خُروجكَ من الدُّنيا وهذا هو الفوز العظيم .
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (سورة الحديد : 12) .
ومن علامات الوصول إلى الحقيقة: أن لا تؤثِّر فيكَ مُغْرياتُ الدُّنيا وشهواتها إن أقبَلَت أو أدبرت ، وترى نَفْسَكَ أصغر النَّاس ، ويحدُثُ لديك بعضُ الخوارق وخصوصًا (نور الوجه) ونور مِنْ حَوْلِك ، ونور من بين يديك ..
يا أيُّها السَّاعي .. يا أيُّها المتصوف .. يا أيها العارف .. يا أهل طريق العِرْفان ، ابحثوا ، واقرءوا ، وتفكَّروا ، وراقبوا ، فوَ الله: ما الوصول الا بالمراقبة ..
أعشَقُكِ بكُلِّ اللُّغات ، وأحبكِ بكل المعاني ، وأشتاقُ إليكِ بالنفس والفِكْر ، وما لي غاية إلاكِ ، يا من سَكَنتِ الحَشَا فأوغَلْتِ حتى تمكنتِ فكُنتِ أنتِ كُلّي وبعضي .
أستغفرُ الله استغفارًا للسَّكَنات، والحركات، وللخيال، ووسوسة الصُّدور، حتى المأوى الأخير .. قبر بين القبور .. أو مُتفرِّد بعيد لا يُرى ..
وصلى اللهُ على سيدنا ومولانا محمد الحبيب الشفيع عالي القَدْر ذو المقام المحمود، صاحب الوصول لأعلى المراتب والفُصُول ، وعلى آل بيته قناديل الضِّياء لظُلمات الطَّريق، وعلى أصحابه قناديل الهدى صلاةً (جامِعًا) للجمال، والكمال، والبهاء بعدد اهتزاز أصوات الخلائق من بَدْء الخلق إلى يوم البعث ، يا أحد .. يا فَرْد .. يا صَمَد .. يا رحمن .. يا رحيم .. (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ. عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ. عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ) (سورة النجم : 13 ـ 16) .
◈◈◈◇◈◈◈
من كتابات فضيلة السيد الشيخ محمد تحسين النقشبندي القادري الحُسيني رضي الله عنه وأرضاه